عاشت في إحدى الضواحي عائلة فقيرة لا تكاد توفر لقمة عيشها، تقاسي الأمرين للعيش الكريم، والدٌ خياطٌ مريضٌ عليه القيام بغسل كليتيه أسبوعياً، أمٌ منهكةٌ عاشت حياتها تَحبُكُ للناس ملابسهم، وثلاثة أبناء لم يروا للحياة معنى سوى التمسك بعلمهم فهو منقذهم، وتمسك بالأسرة التي تحافظ على روابطها الوثيقة على الرغم من القدر المظلم الذي يحيط بهم، فهم لم يملكوا إلا حمد الله على نعم كثيرة تعوض المسلوب منها.
الأم : ضحى، ضحى،
يا ضحى، استيقظي فاليوم سوف تذهبين مع والدك إلى المستشفى للقيام بغسيل الكلى.
ضحى : حاضرة يا
أمي.
الأم : يبدو أن
السماء ستمطر لذلك ارتدي معطفك.
الفتاة واقفة أمام
غرفة العناية المركزة، أبلغها الطبيب أن والدها في حالة خطرة، وبما أن إحدى كليتيه
تالفة فإن احتمال فقد الأخرى وارد، خرج الطبيب من الغرفة وعلامات الكآبة بادية على
وجهه.
ضحى : ما بك أيها
الطبيب ؟ كيف حال والدي ؟
الطبيب : عظم الله
أجركم.
ضحى (مصدومة) :
مستحيل، أبداً، لابد أنك تمزح.
انقلب الاندهاش
بكاءً أمام تعابير الطبيب الجامدة، ثم سكتت ولم تنطق بكلمة، جرتها أقدامها إلى المنزل،
فتحت الباب لترى الأم ابنتها منتفخة العينين، مبللة بقطرات المطر، غارقة في دموعها.
الأم : ماذا جرى
؟ ما الذي حصل ؟ أين والدك ؟
نظرت الأم خارجاً
تبحث عن زوجها، ركضت ضحى إلى غرفتها، وأغلقت الباب بقوة تاركةً أمها في مأساة جديدة
لم تكد تصدقها، ولكنها ما تزال تأمل أنها مخطئة في ظنها، طرقت على باب غرفة ضحى لتسألها
عما جرى، وفي تلك الأثناء عاد ابنها الأصغر إلى المنزل بدموعه المنهمرة على خده مؤكداً
لأمه خبر وفاة والده.
خلا البيت من معالم
الحياة على كثرة الناس الذين جاؤوا يؤدون واجب الوقوف مع هذه العائلة، إلا أن مظاهر
الحياة كانت قد بهتت وضاعت.
ضحى غارقة في التفكير،
لم تخرج من غرفتها، والعائلة غارقة في الديون، ولا تجد رغيفاً تأكله لتسد به جوع الجسد،
حتى انتفضت ضحى فجأة واقفة صاعقة أمها وأخويها بردة فعل عجيبة.
ضحى : لن يدوم الحال
هكذا، سوف أعمل، وأوفر لقمة العيش لنا، أمي، هلا علمتني الحياكة، ومن وقع الصدمة جلست
الأم في مكانها فاغرةً فاهها، ولم تجب.
بعد فترة من الزمن أتقنت ضحى الصنعة، وحملت العبء
عن والدتها، واستمرت في الدراسة في إحدى المدارس الحكومية، وأعانت بعض الفتيات اللواتي
يَسكُنّ قريباً منها، وعلمتهن الصنعة، وكبر الأمر وأصبح مشروعاً تقيمه شابات الحي الفقير،
واستمر المشروع بالازدهار حتى أصبحت الشابات تتقن صناعة الملابس وأصبحن يرسلن الملابس
إلى محال الأزياء، ولقي عملهنّ رواجاً كبيراً، وتحسن وضع الأسرة، وتخرجت الفتاة من
الجامعة، وعملت في إحدى الشركات، ولم تترك العمل في مشروعها وافتتحت بعد مدة مركزاً
للخياطة سمته " بصيص الأمل "؛ لأن الأمل هو الذي استيقظ فيها فجأة، وحثها
على توفير العيش الكريم لعائلتها.
* هذه
القصة ليست حقيقية ولكن هناك العديد من مثل هذه القصص التي تحثنا على عدم جعل أي حادث
أو مأزق يحدث لنا يعيقنا عن ممارسة حياتنا أو يشكل حاجز أمام مستقبلنا فبمجرد حدوثه
نظن أن هذه هي نهاية المطاف، فكم من إبداع خرج من عنق المعاناة كالنور الذي يبدد الظلمات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق