من وحي ما بعد المرض



باغتني ألم شديد جداً مزق أحشائي بدأ يراوغني في الساعة الخامسة من مساء يوم الثلاثاء حتى اشتدت وطئته و كسر تحملي و بدأت بالصراخ و البكاء، فاتصلت بوالدي الذي يقطن في الإمارات هو و عائلتي حتى يشير علي بالمشفى المناسب و مكان الطبيب صديقه المطلع على حالة مشابهة مررت بها سابقاً، ثم اتصلت بخالي و أخبرته أني بحاجة إلى دخول المشفى الآن وإلا سأموت من شدة الألم، دخلنا إلى الطوارئ و من ثم المشفى ...

إلى تلك "الغرفة" غرفة احتضنتني بذراعين قاسيتين سوداويتين خاليتين من أي مشاعر متجمدتين تلفهما حول عنقي، هناك و بين تلك الذراعين حيث كنت أصارع الألم وحدي، ألم العلاج قبل أي ألم آخر ...

لم يشعر بألمي أحد، كنت هناك وحيدة جداً بل تماماً، كنا فقط أنا و خالقي، تراودني أفكار الموت هناك وحدي و بدون علم أحد سوى هو جل جلاله ... 

بدأت عزيمتي تهمس في أذني أن اصبري و صابري، ستكونين على ما يرام، ستجتازين هذا عاجلاً أم آجلاً، ثم ما أن بدأ يصرخ في وجهي إحساس بأني شخص بلا قيمة تذكر و يهزأ بي، لم ولن يعلم أحد أنني هنا أصارع ألمي و ألم علاجي  ...

بعد ساعات من المسكنات و المهدئات، بدأت رحمة الله وحنانه تلامس جسدي و بدأت آلامي تسحب يديها عن تلك الفتاة الشاحبة وعيونها تبسمان بحنان كاذب، ثم بدأت أطالب بنزع العلاج المؤلم عني، فرفض الأطباء و الممرضون نزعه، فقمت بنزعه بيدي، و وقّعت على تحملي مسؤولية نزع ذلك الألم، و خرجت من المشفى على مسؤوليتي الخاصة ...

تراودني الآن الأفكار التالية :
ماذا لو مت على ذلك السرير الموحش ، هل سيؤثر هذا الموت على شيء ؟ أو حتى على أحد ؟
الجواب "كلا" ، يا ترى كم من الأشخاص الذين ماتوا على سرير مشابه ولم يعلم بهم أحد، و لم يتأثر العالم بموتهم ؟ 
هل ميتة عمر بن الخطاب و ميتتي متشابهة ؟ هل ستهتز السماوات حزناً على فراقي أم هل ستنفطر ؟ كم من أعمال قمت بها غيرت في مجتمعي ؟ هل سننت سنة حسنة في الناس ؟ هل فعلت شيئاً ذا قيمة حقيقة ؟ "صدقة جارية " هل امتلك واحدة ؟

أحسست وقتها انه من الواجب علي أن أصنع شيئاً لهذا العالم، شيئاً ذا قيمة، شيئاً بعيداً عن " الأنا " بأنواعها الثلاثة، شيئاً لكم أنتم ...

كفى بالمرض واعظاً ...
يجب على كل منا أن يصنع شيئاً ذا قيمة حتى لا تراوده تلك الأحاسيس القاسية المؤلمة الجارحة و تقتله بل و تمثل بمشاعره على فراش الموت، " لك شيء في هذا العالم فقم  "...

بقلم سجى أبو الحمص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق